الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن عائشة قالت: (سابقني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني فقال: هذه بتلك). رواه أحمد وأبو داود. 2 - وعن سلمة بن الأكوع قال: (بينا نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدًا فجعل يقول ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق فقلت أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا قال: لا إلا أن يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: قلت يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي ذرني فلأسابق الرجل قال: إن شئت قال: فسبقته إلى المدينة). مختصرًا من أحمد ومسلم. 3 - وعن محمد بن علي بن ركانة: (أن ركانة صارع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فصرعه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم). رواه أبو داود. 4 - وعن أبي هريرة قال: (بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: دعهم يا عمر). متفق عليه. وللبخاري في رواية: في المسجد. 5 - وعن أنس: (لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المدينة لعبت الحبشة لقدومه بحرابهم فرحًا بذلك). متفق عليه. 6 - وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وقال يتبع شيطانًا. حديث عائشة أخرجه أيضًا الشافعي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عنها واختلف فيه على هشام. فقيل هكذا وقيل عن رجل عن أبي سلمة عنها. وقيل عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة. وحديث محمد بن علي بن ركانة في إسناده أبو الحسن العسقلاني وهو مجهول وأخرجه أيضًا الترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر محمد بن ركانة وقال غريب وليس إسناده بالقائم. وروى أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالبطحاء فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد ومعه عير له فقال له يا محمد هل لك أن تصارعني فقال ما تسبقني قال شاة من غنمي فصارعه فصرعه فأخذ الشاة فقال ركانة هل لك في العود ففعل ذلك مرارًا فقال: يا محمد ما وضع جنبي أحد إلى الأرض وما أنت بالذي تصرعني فأسلم ورد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عليه غنمه. قال الحافظ: إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير إلا أن سعيدًا لم يدرك ركانة. قال البيهقي: وروي موصولًا وفي كتاب السبق لأبي الشيخ من رواية عبيد اللّه بن يزيد المصري عن حماد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مطولًا. ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث أبي أمامة مطولًا وإسنادهما ضعيف. وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد ابن أبي زياد وأحسبه عن عبد اللّه بن الحارث قال: صارع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدًا فقال: شاة بشاة فصرعه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: عاودني في أخرى فصرعه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: عاودني فصرعه صلى اللّه عليه وآله وسلم الثالثة فقال أبو ركانة: ماذا أقول لأهلي شاة أكلها الذئب وشاة نشزت فما أقول في الثالثة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك فنغرمك خذ غنمك هكذا وقع فيه أبو ركانة والصواب ركانة. وحديث أبي هريرة الثاني في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة الليثي استشهد به مسلم ووثقه ابن معين ومحمد بن يحيى الذهلي والنسائي وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن معين مرة ما زال الناس يتقون حديثه وقال السعدي ليس بالقوي وغمزه الإمام مالك. وقال ابن المديني سألت يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة كيف هو قال تريد العفو أو تشدد قلت بل أشدد قال فليس هو ممن تريد. قوله: (حتى إذا أرهقني اللحم) أي كثر لحمي قال في القاموس: أرهقه طغيانًا غشاه إياه وقال رهقه كفرح غشيه. ـ وفي الحديثين ـ دليل على مشروعية المسابقة على الأرجل وبين الرجال والنساء المحارم وأن مثل ذلك لا ينافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يتزوج عائشة إلا بعد الخمسين من عمره ولا فرق بين الخلأ والملأ لما في حديث سلمة. قوله: (أن ركانة صارع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم) فيه دليل على جواز المصارعة بين المسلم والكافر وهكذا بين المسلمين ولا سيما إذا كان مطلوبًا لا طالبًا وكان يرجو حصول خصلة من خصال الخير يذلك أو كسر سورة كبر متكبر أو وضع مترفع بإظهار الغلب له وكما روي من مصارعته صلى اللّه عليه وآله وسلم ركانة روي أنه تصارع هو وأبو جهل. قال الحافظ عبد الغني: ما روي من مصارعة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أبا جهل لا أصل له وحديث ركانة أمثل ما روي في مصارعة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. قوله: (يلعبون عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بحرابهم) فيه جواز ذلك في المسجد كما في الرواية الثانية وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى قال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح. قوله: (ودخل عمر) الخ قال ابن التين: يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم وهذا أولى لقوله في الحديث يلعبون عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون إنكاره لهذه شبيهًا لإنكاره على المغنيتين وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى والجد في الجملة أولى من اللعب المباح وأما النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكان بصدد بيان الجواز. قوله: (فقال شيطان) الخ فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام وأنه من اللهو الذي لم يؤذن فيه وقد قال بكراهته جمع من العلماء ولا يبعد على فرض انتهاض الحديث تحريمه لأن تسمية فاعله شيطانًا يدل على ذلك وتسمية الحمامة شيطانة إما لأنها سبب إتباع الرجل لها أو أنها تفعل فعل الشيطان حيث يتولع الإنسان بمتابعتها واللعب بها لحسن صورتها وجودة نغمتها.
1- عن أبي هريرة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا اللّه ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق). متفق عليه. 2- وعن بريدة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه). رواه أحمد ومسلم وأبو داود. 3- وعن أبي موسى: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من لعب بالنرد فقد عصى اللّه ورسوله). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ومالك في الموطأ. 4- وعن أبي موسى: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من لعب بالكعاب فقد عصى اللّه ورسوله). رواه أحمد. 5 - وعن عبد الرحمن الخطمي قال: (سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي). رواه أحمد. حديث أبي موسى الأول رجال إسناده ثقات وأخرجه أيضًا الحاكم والدارقطني والبيهقي. وحديث أبي موسى الثاني قال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني وفي إسناده علي بن زيد وهو متروك. وحديث عبد الرحمن الخطمي قال أحمد حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا الجعيد عن موسى بن عبد الرحمن فذكره وأورده الحافظ في التلخيص من كتاب الشهادات وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد فيه موسى ابن عبد الرحمن الخطمي ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. قوله: (فليقل لا إله إلا اللّه) في الأمر لمن حلف باللات والعزى أن يتكلم بكلمة الشهادة دليل على أنه قد كفر بذلك وسيأتي تحقيق المسألة في كتاب الأيمان إن شاء اللّه. قوله: (فليتصدق) فيه دليل على المنع من المقامرة لأن الصدقة المأمور بها كفارة عن الذنب قال في القاموس: وقامره مقامرة وقمارًا فقمره كنصره وتقمره راهنه فغلبه وهو التقامر اهـ فالمراد بالقمار المذكور هنا الميسر ونحوه مما كانت تفعله العرب وهو المراد بقوله تعالى قوله: (من لعب بالنردشير) قال النووي: النردشير هو النرد عجمي معرب وشير معناه حلو وكذا في النهاية وقيل هو خشبة قصيرة ذات فصوص يلعب بها. وقيل إنما سمي بذلك الاسم لأن واضعه أردشير بن بابك من ملوك الفرس. قال النووي: وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد وقال أبو إسحاق المروزي يكره ولا يحرم قيل وسبب تحريمه أن وضعه على هيئة الفلك بصورة شمس وقمر وتأثيرات مختلفة تحدث عند اقترانات أوضاعه ليدل على أن أقضية الأمور كلها مقدرة بقضاء اللّه ليس للكسب فيها مدخل ولهذا ينتظر اللاعب به ما يقضى له به والتمثيل بقوله فكأنما صبغ يده في لحم خنزير الخ فيه إشارة إلى التحريم لأن التلوث بالنجاسات من المحرمات. وقوله: (فقد عصى اللّه ورسوله) تصريح بما يفيد التحريم. قوله: (من لعب بالكعاب) هي فصوص النرد وقد كرهها عامة الصحابة وروي أنه رخص فيها ابن مغفل وابن المسيب على غير قمار واختلف في الشطرنج قال النووي: مذهبنا أنه مكروه وليس بحرام وهو مروي عن جماعة من التابعين. وقال مالك وأحمد: هو حرام قال مالك هو شر من النرد وألهى وروى ابن كثير في إرشاده أن أول ظهور الشطرنج في زمن الصحابة وضعه رجل هندي يقال له صصة قال وروى البيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا قال في الشطرنج هو من الميسر. قال ابن كثير: وهو منقطع جيد. وروي عن ابن عباس وابن عمر وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد وعائشة أنهم كرهوا ذلك وروي عن ابن عمر أنه شر من النرد كما قال مالك وحكى في ضوء النهار عن ابن عباس وأبي هريرة وابن سيرين وهشام بن عروة بن الزبير وسعيد ابن المسيب وابن جبير أنهم أباحوه وقد روى في تحريمه أحاديث أخرج الديلمي من حديث واثلة مرفوعًا: (إن للّه في كل يوم ثلاثمائة نظرة ولا ينظر فيها إلى صاحب الشاه) وفي لفظ: (يرحم بها عباده ليس لأهل الشاه فيها نصيب) يعني الشطرنج وأخرج من حديث ابن عباس يرفعه: (ألا إن أصحاب الشاه في النار الذين يقولون قتلت واللّه شاهك) وأخرج الديلمي أيضًا عن أنس يرفعه: ملعون من لعب بالشطرنج وأخرج ابن حزم وعبدان: ملعون من لعب الشطرنج والناظر إليهم كالآكل لحم الخنزير من حديث جميع بن مسلم وأخرج الديلمي عن علي مرفوعًا: يأتي على الناس زمان يلعبون بها ولا يلعب بها إلا كل جبار والجبار في النار. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي كرم اللّه وجهه أنه قال: النرد والشطرنج من الميسر. وأخرج عنه عبد بن حميد أنه قال: الشطرنج ميسر العجم وأخرج عنه ابن عساكر أنه قال لا يسلم على أصحاب النردشير والشطرنج. قال ابن كثير: والأحاديث المروية فيه لا يصح منها شيء ويؤيد هذا ما تقدم من أن ظهوره كان في أيام الصحابة وأحسن ما روي فيه ما تقدم عن علي كرم اللّه وجهه وإذا كان بحيث لا يخلو أحد اللاعبين من غنم أو غرم فهو من القمار وعليه يحمل ما قاله علي أنه من الميسر والمجوزون له قالوا إن فيه فائدة وهي معرفة تدبير الحروب ومعرفة المكايد فأشبه السبق والرمي قالوا وإذا كان على عوض فهو كمال الرهان وقد تقدم حكمه ولا نزاع أنه نوع من اللهو الذي نهى اللّه عنه ولا ريب أنه يلزمه إيغار الصدور وتتأثر عنه العداوات وتنشأ منه المخاصمات فطالب النجاة لنفسه لا يشتغل بما هذا شأنه وأقل أحواله أن يكون من المشتبهات والمؤمنون وقافون عند الشبهات. وفي الشفاء للأمير الحسين قبل آخر الكتاب بنحو ثلاث ورق عن علي عليه السلام أنه أمر بتحريق رقعة الشطرنج وإقامة كل واحد ممن لعب بها معقولًا على فرد رجل إلى صلاة الظهر ثم ذكر غير ذلك.
1 - عن عبد الرحمن بن غنم قال: (حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف). أخرجه البخاري. وفي لفظ: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف اللّه بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) رواه ابن ماجه وقال: عن أبي مالك الأشعري ولم يشك والمعازف الملاهي قاله الجوهري وغيره. 2 - وعن نافع: (أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول يا نافع أتسمع فأقول نعم فيمضي حتى قلت لا فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سمع زمارة راع فصنع مثل هذا). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. 3 - وعن عبد اللّه بن عمر: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إن اللّه حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام). رواه أحمد وأبو داود. وفي لفظ: (إن اللّه حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين) رواه أحمد. حديث أبي مالك الأشعري باللفظ الذي ساقه ابن ماجه هو من طريق ابن محيريز عن ثابت بن السمط. وأخرجه أبو داود وصححه ابن حبان وله شواهد. وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه قال أبو علي وهو اللؤلؤي سمعت أبا داود يقول وهو حديث منكر. وحديثه الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص أيضًا وفي إسناده الوليد بن عبدة الراوي له عن ابن عمر قال أبوحاتم الرازي هو مجهول. وقال ابن يونس في تاريخ المصريين أنه روى عنه يزيد ابن أبي حبيب. وقال المنذري: إن الحديث معلول ولكنه يشهد له ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس بنحوه وسيأتي وأخرجه أحمد من حديث قيس بن سعد بن عبادة. قوله: (يستحلون) الحر ضبطه ابن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة وهو الفرج. قال في الفتح: وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره وأغرب ابن التين فقال إنه عند البخاري بالمعجمتين. وقال ابن العربي: هو بالمعجمتين تصحيف وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج والمعنى يستحلون الزنا. قال ابن التين: يريد ارتكاب الفرج لغير حله وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب ويؤيد الرواية بالمهملتين ما أخرجه ابن المبارك في الزهد عن علي مرفوعًا بلفظ: (يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير) ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ لأن كثيرًا من الصحابة لبسوه. وقال ابن الأثير: المشهور في روايات هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب من الإبريسم وقال ابن العربي: الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه فالأقوى حمله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بالإجماع وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب اللباس. قوله: (والمعازف) بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها اللهو وقيل صوت الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف. قوله: (زمارة) قال في القاموس: والزمارة كجبانة ما يزمر به كالمزمار. قوله: (فصنع مثل هذا) فيه دليل على أن المشروع لمن سمع الزمارة أن يصنع كذلك واستشكل إذن ابن عمر لنافع بالسماع ويمكن أنه إذ ذاك لم يبلغ الحلم وسيأتي بيان وجه الاستدلال به والجواب عليه. قوله: (والميسر) هو القمار وقد تقدم. قوله: (والكوبة) بضم الكاف وسكون الواو ثم باء موحدة قيل هي الطبل كما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وبين أن هذا التفسير من كلام علي بن بذيمة. قوله: (والغبيراء) بضم الغين المعجمة قال في التلخيص: اختلف في تفسيرها فقيل الطنبور وقيل العود وقيل البربط وقيل مزر يصنع من الذرة أو من القمح وبذلك فسره من النهاية. قوله: (والمزر) بكسر الميم وهو نبيذ الشعير. قوله: (والقنين) هو لعبة للروم يقامرون بها وقيل هو الطنبور بالحبشية كذا في مختصر النهاية وقد استدل المصنف بهذه الأحاديث على ما ترجم به الباب وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء اللّه تعالى. 4 - وعن ابن عباس: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إن اللّه حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام). رواه أحمد. والكوبة الطبل قاله سفيان عن علي بن بذيمة. وقال ابن الأعرابي: الكوبة النرد وقيل البربط والقنين هو الطنبور بالحبشية والتقنين الضرب به قاله ابن الأعرابي. 5 - وعن عمران بن حصين: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول اللّه ومتى ذلك قال: إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور). رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. 6 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: إذا اتخذ الفيء دولًا والأمانة مغنمًا والزكاة مغرمًا وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع بعضه بعضًا). رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب. 7 - وعن أبي أمامة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب ثم يصبحون قردة وخنازير وتبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسف من كان قبلكم باستحلالهم الخمر وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات). رواه أحمد وفي إسناده فرقد السبخي قال أحمد: ليس بقوي وقال ابن معين: هو ثقة وقال الترمذي: تكلم فيه يحيى بن سعيد وقد روى عنه الناس. 6 - وعن عبيد اللّه بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إن اللّه بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية). رواه أحمد قال البخاري عبيد اللّه بن زحر ثقة وعلي بن يزيد ضعيف والقاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن ثقة وبهذا الإسناد: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية رواه الترمذي. ولأحمد معناه ولم يذكر نزول الآية فيه ورواه الحميدي في مسنده ولفظه: (لا يحل ثمن المغنية ولا بيعها ولا شراؤها ولا الاستماع إليها). حديث ابن عباس قد تقدم أنه أخرجه أيضًا أبو داود وابن حبان والبيهقي. وحديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد إخراجه عن عباد بن يعقوب الكوفي حدثنا عبد اللّه بن عبد القدوس عن الأعمش عن هلال بن يساف عن عمران ما لفظه وقد روى هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ساباط عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلًا وهذا حديث غريب. وحديث أبي هريرة قال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق علي بن حجر حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن المسلم بن سعيد عن رميح الجذامي عنه ما لفظه وفي الباب عن علي وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحديث علي هذا الذي أشار إليه هو ما أخرجه في سننه قبل حديث أبي هريرة عن علي بن أبي طالب قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء وفيه وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القيان والمعازف) وقال بعد تعداد الخصال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحدًا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه وقد روى عنه وكيع وغير واحد من الأئمة انتهى. وحديث أبي أمامة الأول والثاني قد تكلم المصنف عليهما وحديثه الثالث قال الترمذي بعد إخراجه إنما يعرف مثل هذا من هذا الوجه وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي انتهى. وأخرجه أيضًا ابن ماجه وسعيد بن منصور والواحدي وعبيد اللّه بن زحر قال أبو مسهر: إنه صاحب كل معضلة وقال ابن معين: ضعيف وقال مرة ليس بشيء وقال ابن المديني: منكر الحديث وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: روى موضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات. ـ وفي الباب ـ عن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أنه قال في قوله وأخرج أبو يعقوب محمد بن إسحاق النيسابوري من حديث أنس: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من قعد إلى قينة يسمع صب في أذنه الآنك) وأخرج أيضًا من حديث ابن مسعود: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سمع رجلًا يتغنى من الليل فقال لا صلاة له لا صلاة له لا صلاة له) وأخرج أيضًا من حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر) وروى ابن غيلان عن علي: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: بعثت بكسر المزامير) وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم: (كسب المغني والمغنية حرام) وكذا رواه الطبراني من حديث عمر مرفوعًا: (ثمن القينة سحت وغناؤها حرام). وأخرج القاسم بن سلام عن علي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن ضرب الدف والطبل وصوت المزمار. ـ وفي الباب ـ أحاديث كثيرة وقد وضع جماعة من أهل العلم في ذلك مصنفات ولكنه ضعفها جميعًا بعض أهل العلم حتى قال ابن حزم: إنه لا يصح في الباب حديث أبدًا وكل ما فيه فموضوع. وزعم أن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري المذكور في أول الباب منقطع فيما بين البخاري وهشام وقد وافقه على تضعيف أحاديث الباب من سيأتي قريبًا. قال الحافظ في الفتح: وأخطأ في ذلك يعني في دعوى الانقطاع من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر الحديث في موضع آخر من كتابه وأطال الكلام على ذلك بما يشفي. قوله: (الكبارات) جمع كبار قال في القاموس: في مادة ك ب ر والطبل الجمع كبار أو أكبار انتهى. والبربط العود قال في القاموس: البربط كجعفر معرب بربط أي صدر الأوز لأنه يشبهه انتهى. وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف. وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد اللّه بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسًا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه. وحكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضًا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي. وقال إمام الحرمين في النهاية وابن أبي الدم نقل الأثبات من المؤرخين أن عبد اللّه بن الزبير كان له جوار عوادات وأن ابن عمر دخل عليه وإلى جنبه عود فقال ما هذا يا صاحب رسول اللّه فناوله إياه فتأمله ابن عمر فقال هذا ميزان شامي قال ابن الزبير: يوزن به العقول. وروى الحافظ أبو محمد ابن حزم في رسالته في السماع سنده إلى ابن سيرين قال: إن رجلًا قدم المدينة بجوار فنزل على عبد اللّه بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئًا قال انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعًا من هذا قال من هو قال عبد اللّه بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال لها خذي العود فأخذته فغنت فبايعه ثم جاء إلى ابن عمر إلى آخر القصة. وروى صاحب العقد العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي أن عبد اللّه بن عمر دخل على أبي جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ثم قال لابن عمر هل ترى بذلك بأسًا قال لا بأس بهذا وحكى الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص أنهما سمعا العود عند ابن جعفر. وروى أبو الفرج الأصبهاني أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره. وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك والمزهر عند أهل اللغة العود وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع من جواريه قبل الخلافة ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين ونقله أبو يعلى الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة. وحكى الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف وحكى الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورًا في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور. وحكى أبو الفضل ابن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود. قال ابن النحوي في العمدة: قال ابن طاهر هو إجماع أهل المدينة. قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة قال الأدفوي لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلى إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم وحكى الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية وحكاه أبو الفضل ابن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الأسنوي في المهمات عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر. وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر ابن العربي وجزم بالإباحة الأدفوي هؤلاء جميعًا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع أن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق على حله ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضًا إجماع أهل المدينة عليه وقال الماوردي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر قال ابن النحوي في العمدة: وقد روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين فمن الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبي شيبة وأبو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي وسعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة وأبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد اللّه ابن الأرقم وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي أيضًا وحمزة كما في الصحيح وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر والبراء بن مالك كما أخرجه أبو نعيم وعبد اللّه بن جعفر كما رواه ابن عبد البر. وعبد اللّه بن الزبير كما نقله أبو طالب المكي وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني وعبد اللّه بن عمرو كما رواه الزبير بن بكار وقرظة بن كعب كما رواه ابن قتيبة وخوات بن جبير ورباح المعترف كما أخرجه صاحب الأغاني والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي وعائشة والربيع كما في صحيح البخاري وغيره. وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عمرو بن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد اللّه بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري. وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية انتهى كلام ابن النحوي. واختلف هؤلاء المجوزون فمنهم من قال بكراهته ومنهم من قال باستحبابه قالوا لكونه يرق القلب ويهيج الأحزان والشوق إلى اللّه قال المجوزون إنه ليس في كتاب اللّه ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة. منها حديث أبي مالك أو أبي عامر المذكور في أول الباب وأجاب المجوزون بأجوبة: الأول ما قاله ابن حزم وقد تقدم وتقدم جوابه. والثاني إن في إسناده صدقة بن خالد وقد حكى ابن الجنيد عن يحيى بن معين أنه ليس بشيء. وروى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم ويجاب عنه بأنه من رجال الصحيح. ثالثها إن الحديث مضطرب سندًا ومتنًا أما الإسناد فللتردد من الراوي في اسم الصحابي كما تقدم وأما متنًا فلأن في بعض الألفاظ يستحلون وفي بعضها بدونه وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ ليشربن أناس من أمتي الخمر. وفي رواية الحر بمهملتين وفي أخرى بمعجمتين كما سلف ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعًا وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى. والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة وأجاب المجوزون أيضًا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا لا نسلم دلالته على التحريم وأسندوا هذا المنع بوجوه: أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصًا في التحريم فقد ذكر أبو بكر ابن العربي لذلك معنيين أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال. الثاني أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجئ إلى الخروج عنها وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف وإذا كان اللفظ محتملًا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال لأنه إما أن يكون مشتركًا والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازًا ولا يتعين المعنى الحقيقي ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في الأصول وثالثها أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ: (ليشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف) ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وأيضًا يلزم في مثل قوله تعالى وأخرج ابن سعد في السنن عن جابر أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة وخمش وجه وشق جيب ورنة شيطان. وأخرج الديلمي عن أبي أمامة مرفوعًا: إن اللّه يبغض صوت الخلخال كما يبغض الغناء والأحاديث في هذا كثيرة قد صنف في جمعها جماعة من العلماء كابن حزم وابن طاهر وابن أبي الدنيا وابن حمدان الأربلي والذهبي وغيرهم وقد أجاب المجوزون عنها بأنه قد ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية وقد تقدم ما قاله ابن حزم ووافقه على ذلك أبو بكر ابن العربي في كتابه الأحكام وقال لم يصح في التحريم شيء وكذلك قال الغزالي وابن النحوي في العمدة وهكذا قال ابن طاهر إنه لم يصح منها حرف واحد والمراد ما هو مرفوع منها وإلا فحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى قال الفاكهاني: لم أعلم في كتاب اللّه ولا في السنة حديثًا صحيحًا صريحًا في تحريم الملاهي وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس بها لا أدلة قطعية واستدل ابن رشد بقوله تعالى ويجاب بأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب واللغو عام وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه والآية خارجة مخرج المدح لمن فعل ذلك وليس فيها دلالة على الوجوب ومن جملة ما استدلوا به حديث كل لهو يلهو به المؤمن هو باطل إلا ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه. قال الغزالي: قلنا قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة انتهى. وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى اللّه عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح خارج عن تلك الأمور الثلاثة وأجاب المجوزون عن حديث ابن عمر المتقدم في زمارة الراعي بما تقدم من أنه حديث منكر وأيضًا لو كان سماعه حرامًا لما أباحه صلى اللّه عليه وآله وسلم لابن عمر ولا ابن عمر لنافع ولنهى عنه وأمر بكسر الآلة لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وأما سده صلى اللّه عليه وآله وسلم لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما كان يتجنب كثيرًا من المباحات كما تجنب أن يبيت في بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك لا يقال يحتمل أن تركه صلى اللّه عليه وآله وسلم للإنكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير لأنا نقول ابن عمر إنما صاحب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بالمدينة بعد ظهور الإسلام وقوته فترك الإنكار فيه دليل على عدم التحريم وقد استدل المجوزون بأدلة منها قوله تعالى ومن جملة ما قاله المجوزون أنا لو حكمنا بتحريم اللهو لكونه لهوًا لكان جميع ما في الدنيا محرمًا لأنه لهو لقوله تعالى
|